الموجز
رئيس التحريرياسر بركات
الجمعة 26 أبريل 2024 07:13 صـ 17 شوال 1445 هـ
أهم الأخبار

أردوغان يعتبره مثله الأعلى.. سليم الأول..حكايات عن السفاح العثماني الذي نهب ثروات مصر و ذبح شبابها في الشوارع

ربعة، قصير القامة، له وجه مغولي دائري، وعينان جاحظتان تشعان شرا، وشارب طويل مبروم. كان خفيفا فيه رهج بحركاته، يتلفت يمينه ويساره دون توقف. كما كان سريع الغضبة، شديد التقلب، يمتلك قلبا قاسيا وكبدا غليظا، لم يسلم منه أحد من أقربائه أو أباعده.. قتل إخوته فأفناهم، ودس السم لأبيه.. ذبح بيديه كثير من رجالات دولته، وسلط سيف نقمته على الآلاف في الأناضول والشام ومصر.. ولم تجف الدماء من يديه، حتى لطخها بسرقاته لتاريخ الشرق العظيم، محولا كنوزه إلى مدينته الرابضة على البسفور، إسطنبول.

هذا هو السلطان العثماني سليم الأول، والذي سنعرض في السطور التالية ما نعرفه من حكايته كما نشرها موقع تركيا الآن المتخصص في الشئون التركية.

البداية

وُلد سليم الأول في 10 أكتوبر سنة 1470، في مدينة أماسيا على ساحل البحر الأسود، للسلطان "بايزيد الثاني بن محمد الفاتح" و"عائشة جلبار خاتون"، الأميرة التركمانية.

كان لسليم أخوان، هما "قرقود" و"أحمد". وكانوا الثلاثة يختلفون في المشارب، فكان "قرقود" محبًا للعلوم والآداب والفنون، وكان "أحمد" محبوبًا لدى الأعيان والأمراء. أما سليم فكان محبًا للحرب شرس الطباع ومحبوبًا لدى الجند عمومًا، والانكشارية خصوصًا. وقد وزع بايزيد الثاني أبناءه الثلاثة الأمراء على الولايات، فعين "قرقود" واليًا على إحدى الولايات البعيدة، و"أحمد" على أماسيا، وسليمًا على طرابزون.

الصراع على الملك

تولّى سليم إدارة طرابزون وهو ما زال في الحادية عشرة من عمره، واستمر يديرها طيلة 29 سنة، من عام 1481 حتى عام 1510. وخلال هذه الفترة تزوّج سليم بعائشة حفصة خاتون التي أنجب منها ولدًا هو سليمان (سلطان المستقبل سليمان القانوني)، في 27 أبريل سنة 1495.

في أواخر عهد السلطان بايزيد اشتعلت الحرب على ولاية عهده بين الأمراء الثلاثة. فقد أقدم السلطان على تعيين الأمير سليمان بن سليم واليًا على "كافا" من بلاد القرم، فلم يرض سليم بهذا التعيين، بل ترك مقر ولايته وسافر إلى كافا بالقرم، وأرسل إلى أبيه يطلب منه تعيينه في إحدى ولايات أوروبا، فلم يقبل السلطان بل أصرّ على بقائه بطرابزون.

وفي ذات الوقت خشي "أحمد"، أكبر أولاد السلطان، من سعي سليم إلى العرش، فاغتنم مسألة انتصاره حديثًا على جيش مكوّن من تحالف تركماني-صفوي في آسيا الصغرى، وسار إلى القسطنطينية على رأس جنوده ليستعرض مقدرته العسكرية أمام والده وأشقائه على حد سواء. وما إن علم سليم بفعل أخيه حتى أثار فتنة في تراقيا وعصي والده جهارًا، وسار بجيش جمعه من قبائل التتار إلى بلاد الروملّي، فأرسل والده جيشًا لإرهابه، لكنه لمّا وجد من ابنه التصميم على المحاربة وعدم ارتداعه، قبل تعيينه بأوروبا حقنًا للدماء، وعينه واليًا على مدينتيّ "سمندريه" و"ڤيدن" في الصرب، ورفض السماح لابنه الآخر "أحمد" بالدخول إلى العاصمة خوفًا من أن يُقدم الأخير على خلعه أو قتله ليتولى مقاليد السلطنة.

ولمّا وصل إلى "قرقود" خبر نجاح أخيه سليم في مسعاه، انتقل إلى ولاية صاروخان واستلم إدارتها بدون أمر أبيه ليكون قريبًا من القسطنطينية عند الحاجة.

وفي ذلك الوقت كان السلطان بايزيد قد دعا ديوانه للانعقاد والتشاور في مسألة تنصيب أحد الأمراء خلفًا له، فاستقر الرأي على تنصيب الأمير "أحمد" سلطانًا، فغضب سليم ما إن وصله الخبر، وأعلن الثورة على والده، فسار إلى مدينة أدرنة واستولى عليها وأعلن نفسه سلطانًا، فأرسل والده إليه جيشًا قوامه 40,000 رجل فهزمه في الثالث من أغسطس سنة 1511 وألجأه إلى الفرار ببلاد القرم. وأرسل جيشًا آخر لمحاربة "قرقود" بآسيا الصغرى، فهزمه أيضًا وفرّق جيشه، ثم كتب إلى "أحمد" يطلب منه المجيء إلى القسطنطينية فورًا وتولّي مقاليد الحكم، فدخل المدينة في اليوم التالي وأُعلن سلطانًا، ويُقال أن من أشار بضرورة تنصيب "أحمد" على العرش كان الصدر الأعظم "علي باشا"، الذي لم يؤمن بأحقية سليم أو قرقود في خلافة بايزيد.

ثار الانكشارية في المدينة بعد أن تمّ تنصيب الأمير أحمد على العرش العثماني، ورفضوا الاعتراف به حاكمًا عليهم وطالبوا السلطان بايزيد بالعفو عن ابنه سليم وإعادته إلى ولاية سمندرية لشدة تعلقهم به، واعتقادهم بأنه هو الوحيد المؤهل لرد الصفويين عن الدولة العثمانية، لاسيما وأن شاه الصفويين، "إسماعيل الأول بن حيدر"، كان يناصر الأمير أحمد في نضاله للوصول إلى سدّة الحكم.

سليم سلطانا

وبناءً على إلحاح الانكشارية، عفا السلطان عن ابنه سليم وسمح له بالعودة إلى ولايته، وفي أثناء توجهه إليها قابله الانكشارية وأتوا به إلى القسطنطينية باحتفال زائد وساروا به إلى سراي بايزيد وطلبوا منه التنازل عن المُلك لولده المذكور، فقبل وتنحّى عن العرش في يوم 25 أبريل سنة 1512م، وتولّى سليم مقاليد الحكم رسميًا في الثالث والعشرين من مايو من نفس السنة.

وبعد أن تنازل بايزيد عن الحكم، سافر للإقامة ببلدة "ديموتيقا"، فتوفي في الطريق يوم 26 مايو سنة 1512، ويقال إن سليم دس إليه السم خوفًا من رجوعه إلى العرش.

هكذا توج سليم سلطانا فوق رماح الانكشارية. وراح يرد لهم الجميل بأن زاد من المكافآت الموزعة عليهم بعد تنصيبه. وما إن تولّى سليم مقاليد الحكم حتى أعلن أخوه أحمد العصيان ورفضه الخضوع له، ونصب نفسه حاكمًا على أنقرة، وأرسل ابنه "علاء الدين" فاحتل مدينة بورصة في 19 يونيو سنة 1512، وراسل الوزير "مصطفى باشا" يخبره عن عزمه توطيد نفوذه وخلع أخيه ووعده بمنصب كبير إن نقل إليه جميع تحركات سليم ونواياه.

وكان السلطان سليم قد عقد العزم على القضاء على إخوته وأولاد إخوته حتى يهدأ باله ولا يبقى له منازعٌ في المُلك، فعيّن ابنه سليمان حاكمًا للقسطنطينية، وسافر بجيوشه إلى آسيا الصغرى، فاقتفى أثر أخيه أحمد إلى أنقرة، ولم يتمكن من القبض عليه لوصول خبر قدومه إليه عن طريق الوزير "مصطفى باشا". لكن علم السلطان بهذه الخيانة فقتل الوزير شر قتلة، ثم ذهب إلى بورصة حيث قبض على خمسة من أولاد إخوته بما فيهم "علاء الدين" سالف الذكر، وأمر بقتلهم جميعًا. وبعدها توجّه بسرعة إلى صاروخان مقر أخيه "قرقود" ففر منه إلى الجبال، وبعد البحث عنه عدّة أسابيع قُبض عليه وقُتل.

أما أحمد فجمع جيشًا من محاربيه وقاتل الجنود العثمانية، فانهزم وقُتل بالقرب من مدينة يكي شهر في يوم 24 أبريل سنة 1513. وبهذا استفرد سليم بالحكم، فعاد إلى مدينة أدرنة حيث كان بانتظاره سفراء من قبل جمهورية البندقية ومملكة المجر ودوقيّة موسكو والسلطنة المملوكيّة، فأبرم مع جميعهم هدنة لمدة طويلة بما أن مطامعه كانت متجهة إلى بلاد فارس التي كانت أخذت في النموّ والاتساع في عصر ملكها، الشاه "إسماعيل الأوّل الصفوي".

مسايرة مع الدماء التي أسالها في شوارع القاهرة أثناء حربه المماليك، كانت سرقات سليم الأول الواسعة لكنوز مصر، وثرواتها المادية والبشرية، هي أكثر ما لفت أنظار المؤرخين لحادث الغزو العثماني مصر في العام 1517.

كانت فاتحة تلك السرقات أثناء حرب الشوارع التي دارت بين العثمانيين والمماليك في القاهرة، حيث تعرضت الجوامع التاريخية للمدينة للنهب المنظم على أيدي عساكر الإنكشارية، الفرقة العثمانية الأبرز والأشهر، عندما هجموا على تلك الأخيرة بحجة التفتيش على المماليك.

يقول ابن إياس في كتابه "بدائع الزهور في وقائع الدهور": «صارت العساكر العثمانية تكبس على المماليك الشراكسة في البيوت والحارات، فمن وجدوه منهم ضربوا عنقه. ثم صاروا العثمانية تهجم الجوامع وتأخذ منها المماليك الشراكسة، فهجموا على جامع الأزهر وجامع الحاكم وجامع ابن طولون وغير ذلك من الجوامع والمدارس والمزارات، ويقتلون من فيها من المماليك الشراكسة، فقيل قبضوا على نحو 800 مملوك ما بين أمراء عشرات وخاصكية ومماليك سلطانية، فضربوا رقابهم أجمعين بين يدي ابن عثمان».

وفي محرم 923/ فبراير 1517: «أشيع أن العثمانية هجموا على مقام الإمام الشافعي رضي الله عنه ونهبوا ما فيه من البسط ومن القناديل في حجة المماليك الشراكسة، وكذلك مقام الإمام الليث بن سعد أيضا نهبوا ما فيه».

رخام القلعة

في أثناء تلك المداهمات، كان سليم الأول يستدير إلى قلعة الجبل التاريخية لنهبها. فوفقًا لابن إياس، عمد السلطان العثماني إلى فك الرخام من قاعات القلعة لنقله معه إلى العاصمة العثمانية إسطنبول. يقول ابن إياس في أحداث شهر ربيع الأول سنة 923 هـ: «وفي هذا الشهر وقع أن ابن عثمان شره في فك الرخام الذي بالقلعة، في قاعة البيسرية والدهيشة وقاعة البحرة والقصر الكبير وغير ذلك من أماكن بالقلعة، وفك العواميد السماقي التي كانت في الإيوان الكبير، وقيل إنه كان يقصد أن ينشئ له مدرسة في إسطنبول مثل مدرسة السلطان الغوري، فلا تقبل الله منه ذلك».

وانتقلت حمى سرقة الرخام من القلعة إلى بيوت المماليك المزينة بالرخام البديع. يقول ابن إياس: «ثم صار يحيى بن نكار يركب ويأخذ معه جماعة من المرخمين يهجمون قاعات الناس ويأخذون ما فيها من الرخام السماقي و الزرزوري والملون، فأخربوا عدة قاعات، من أوقاف المسلمين وبيوت الأمراء قاطبة، حتى القاعات التي في بولاق، وقاعة الشهابي أحمد ناظر الجيش ابن ناظر الخاص التي على بركة الرطلي، وغير ذلك من قاعات المباشرين والتجار وأبناء الناس وغير ذلك».

خيمة المولد النبوي.. للبيع

وبينما كان سليم عارفا بقيمة الرخام بالقلعة، فإنه كان جاهلا ببعض التحف التي حوتها تلك الأخيرة، الأمر الذي دفعه إلى التفريط فيها بسهولة. وكانت خيمة المولد النبوي الشريف من تلك التحف المجهولة بالنسبة للسلطان العثماني. يقول ابن إياس: «وفي يوم الجمعة 11 ربيع الأول كانت ليلة المولد النبوي، فلم يشعر به أحد من الناس، وبطل ما كان يعمل في ليلة المولد من اجتماع القضاء الأربعة والأمراء بالحوش السلطاني.. وأشيع أن ابن عثمان لما طلع إلى القلعة وعرض الواصل التي بها فرأى خيمة المولد فأباعها للمغاربة بـ 400 دينار، فقطعوها قطعا وباعوها للناس ستائر وسفر».

يصف المؤرخ المصري تلك الخيمة بقوله: «وكانت هذه الخيمة من جملة عجائب الدنيا، لم تر مثلها في الدنيا قط، قيل أن مصروفها على الأشرف قايتباي 30 ألف دينار، وقيل أكثر من ذلك، وكان بها تجمل لما تنصب يوم المولد الشريف، وكانت كهيئة القاعة لها قبة بقمريات والكل من قماش، وكان فيها تقاصيص غريبة، وصنايع عجيبة، لم يعمل الآن مثلها أبدا، فكانت إذا نصبت أيام المولد يحضرون بجماعة من النواتية نحو من 500 إنسان حتى ينصبونها في الحوش السلطاني. وكانت من جملة شعائر المملكة فبيعت بأبخس الأثمان، ولم يعرف ابن عثمان قيمتها، وفقدتها الملوك من بعده ، فحصل منه الضرر الشامل، وهذا من جملة مساوئه التي فعلها بمصر».

السطو على نفائس الكتب

الكتب النفيسة التي حوتها خزانات المدارس في مصر لم تسلم هي الأخرى من النهب العثماني. يقول ابن إياس: «ثم إن الوزراء استدرجوا لأخذ الكتب النفيسة التي في المدرسة المحمودية و المؤيدية و الصرغتمشية، وغير ذلك من المدارس التي فيها الكتب النفيسة، فنقلوها عندهم ووضعوا أيديهم عليها، ولم يعرفوا الحرام من الحلال في ذلك».

آثار النبي

عمليات النهب التي قام به سليم طالت حتى الآثار النبوية الشريفة التي كان يتباهى بها المماليك. والعلامة أحمد تيمور باشا رصد ذلك قائلا: «كانت (أي الآثار النبوية) عند الشرفاء أمراء مكة، فلما استولى السلطان سليم على مصر سنة ٩٢٣هـ (1517) طلبها من الشريف بركات أمير مكة وقتئذ، فبعث بها إليه مع ولده أبي نُمَيّ، فحملها السلطان إلى القسطنطينية في عودته إليها؛ وذهب بعضهم إلى أنها كانت عند الخلفاء العباسيين الذين كانوا بمصر فتسلمها السلطان من آخرهم، وهو المتوكل على الله محمد بن يعقوب، بل ربما تجد هذا الخلاف في الكتاب الواحد فترى الرأي الأول في موضع منه ثم ترى الثاني في موضع آخر بلا تنبيه أو إشارة، غير إن أكثرهم على الرأي الأول، والظاهر أن الرأي الثاني مبني على الاستنتاج لا على النقل لتوهمهم أن وجود الآثار النبوية عند الخلفاء من مستلزمات الخلافة ومكملاتها، فلما عاد السلطان سليم من مصر بالخليفة والآثار، ظنوا أنه تسلمها منه».

يردف: «لما عاد السلطان سليم من مصر إلى القسطنطينية بهذه الآثار جعلها في مسكن الحرم بقصر طوبقبو (طوب قابي) حتى هيَّأ لها حجرة خاصة بهذا القصر نقلها إليها ووكل بها من يقوم بخدمتها، وكان يحتفل بزيارتها مع عظماء دولته في شهر رمضان، والغالب أن يكون ذلك في منتصفه، وسن لهذه الزيارة نظاماً ورسوماً مفصلة في التواريخ التركية».

شحن «الصنايعية»

كانت الثروة البشرية لمصر هي المستهدف الأخير لسليم الأول بعد إتمام غزوه مصر وسيطرته على القاهرة، إذ لا تزال ماثلة في الأذهان قراراته بشحن نحو 2000 من قضاة مصر وصناعها وحرفييها إلى إسطنبول، وهي الخطوة التي أثرت كثيرا على مستقبل الصناعات اليدوية في المحروسة لسنوات عدة تالية.

يقول ابن إياس: « في ربيع 923 هـ أشيع في القاهرة أن السلطان سليم شاه عول على أن يقبض على جماعة من أهل مصر من أعيانها، ويرسلهم إلى بلاده إسطنبول… ثم إن جماعة من وزراء ابن عثمان جلسوا في المدرسة الغورية وشرعوا يطلبون أعيان الناس من القضاة والشهود والمباشرين والتجار، وأعيان تجار المغاربة، وتجار الوراقين، وتجار الشرب والباسطية، وجماعة من البرددارية والرسل، وطائفة من السوقة المتسببين في البضائع، وطائفة من البنائين والنجارين والمرخمين والمبلطين والحدادين وغير ذلك من المعلمين، حتى طلبوا جماعة من أعيان اليهود، فلما تكاملوا عرضوهم في المدرسة الغورية وعينوا منهم جماعة يسافرون إلى إسطنبول، فكتبوا أسمائهم في قوائم وألزموا كل واحد منهم بأن يحضر له بضامن يضمنه، فلما أحضروا لهم بضمان أطلقوهم إلى حال سبيله. وقد خرج سليم مع كل هؤلاء عندما غادر مصر في شهر شعبان من نفس العام».

كل تلك السرقات وعمليات النهب، دفعت ابن إياس للقول بأن سليم «انتهك حرمة مصر، وما خرج منها حتى غنم أموالها وقتل أبطالها ويتم أطفالها، وأسر رجالها وبدد أحوالها، وأظهر أهوالها».

ثم راح يعدد ما نهبه من البلاد: «وأشيع أن ابن عثمان خرج من مصر وصحبته ألف جمل محملة ما بين ذهب وفضة، هذا خارجا عن ما غنمه من التحف والسلاح والصيني والنحاس المكفت الخيول والبغال والجمال وغير ذلك، حتى نقل منها الرخام الفاخر، وأخذ منها من كل شئ أحسنه، ما لا فرح به آباؤه ولا أجداده من قبله أبدا. وكذلك ما غنمه وزراؤه من الأموال الجزيلة وكذلك عسكره، فإنه غنم من النهب ما لا يحصى، وصار أقل ما فيهم أعظم من أمير مائة مقدم ألف، مما غنمه من مال وسلاح وخيول وغير ذلك، فما رحلوا عن الديار المصرية إلا والناس في غاية البلية. وفي مدة إقامة ابن عثمان بالقاهرة حصل لأهلها الضرر الشامل وبطل منها نحو 50 صنعة، وتعطلت منها أصحابها، ولم تعمل في أيامه بمصر».

يردف: «وفي مدة إقامة ابن عثمان بمصر لم يجلس بقلعة الجبل على سرير الملك جلوسا عاما، ولا رآه أحد، ولا أنصف مظلوما من ظالم في محاكمته، بل كان مشغولا بلذته وسكره وإقامته في القياس (يقصد مقياس النيل) بين الصبيان المرد.. وكان لا يظهر إلا عند سفك دماء المماليك الشراكسة، وما كان له أمان إذا أعطاه لأحد من الناس، وليس له قول ولا فعل، وكلامه ناقض ومنقوض لا يثبت على قول واحد كعادة الملوك في أفعالهم».

النهاية

بعد عودة السلطان سليم من مصر، انهمك بتجهيز أسطول بحري ضخم لغزو جزيرة رودس بعد أن لم يتمكن جدّه، السلطان محمد الفاتح، من غزوها في أيامه. ويُقال أيضًا أنه كان يُحضّر لحملة على المجر، كذلك كان يستعد لمحاربة الشاه إسماعيل الصفوي مجددًا بعد أن تحالف مع البرتغاليين ضده وسمح لهم بإقامة مراكز حصينة على الجزر الفارسيّة الواقعة في الخليج العربي.

جمع سليم خمسة عشر ألف جندي من المشاة تحت قيادة "فرحات باشا" حاكم الأناضول، وأرسل إليهم عددًا عظيمًا من المدافع والذخائر، وسار إليهم من القسطنطينية إلى أدرنة لقيادتهم في الحملة.

ولكن المرض سرعان ما داهم سليما، ما أوقف كل خططه العسكرية الواسعة. وهناك خلاف بين المؤرخين اليوم حول طبيعة ذلك المرض. فمنهم من يقول إن السلطان كان مصابا بالجمرة الخبيثة، وهؤلاء يقولون إنه أصيب به لشدّة تعرضه للجثث في ساحات المعارك واستنشاق روائح الأجساد المتحللة، بالإضافة إلى سفره إلى بلدان ذات مناخات مختلفة ومتناقضة أشد النقيض وتعرّضه لما في جوّها من أدواء. ويقول آخرون أن ما أصيب به السلطان لم يكن سوى سرطان جلديّ أصيب به جرّاء تعرّضه الطويل لأشعة الشمس خلال غزواته وسفره على صهوة جواده. بينما يقول البعض أنه جرى تسميمه من قبل طبيبه الخاص الذي كان يداويه، وأن ابنه سليمان (السلطان سليمان القانوني مستقبلا) هو الذي أوعز إلى الطبيب بذلك. ولو كان ذلك حقا، فإن سليم تجرع بذلك نفس الكأس الذي أسقاه أبيه بايزيد الثاني قبلا.

على أي حال، فرغم ألمه، استمر سليم الأول في مسيره إلى أدرنة لإتمام مشروع فتح رودس، لكن لم يمهله المنون ريثما يتم ذلك، فعاجله في رحلته هذه، وتوفي في يوم 22 سبتمبر سنة 1520.

جريدة الموجز، جريدة ورقية أسبوعية مستقلة، وموقع شامل يستطيع الجمهور من خلاله الوصول للخبر الصحيح والمعلومات الدقيقة.

ويقدم موقع الموجز للقراء كل ما يهم الشأن المصري الداخلي والخارجي بشكل يومي وعاجل، بالإضافة إلى أخر تحديثات أسعار الذهب ، أسعار العملات، أسعار الدولار، أسعار السلع أولاً بأول.

كما يقدم الموقع لقرائه أحدث وأهم أخبار الفن، وأخبار الرياضة، وأخبار السياسة، وأخبار الحوادث، وأخبار العالم ، وأهم الاحداث الكروية ، دوري أبطال أوروبا، ودوري أبطال آسيا، ودوري أبطال أفريقيا.