روبرت ستيفن بيكروفت.. حكاية ”جاسوس أمريكا” الجديد فى القاهرة

>> عمل سفيرا للعراق لمدة عام واحد واتهامات "الكذب والخيانة" تلاحقه من قبل عدة مسئولين أمريكيين
>> متزوج من آن تيدسل بيكروفت وله أربعة أطفال.. وينتمي لمذهب المورمون في المسيحية
>> مارس مهنة المحاماة قبل انضمامه للسلك الدبلوماسي .. ويحظى بكراهية شديدة من أعضاء الكونجرس
منذ رحلت السفيرة الأمريكية السابقة آن باترسون عن مصر، وبدأت التكهنات عن الاسم الجديد الذي سيتولى أمر الدبلوماسية الأمريكية في هذه المرحلة الخطيرة والهامة التي تمر بها مصر، بعد ثورتين كبيرتين أطاحا بنظامين كان كلاهما مدعوما من الجانب الأمريكي بشكل أو بآخر، وترددت عدة أسماء لتولي هذا المنصب كان معظمها من ذوي الخبرة في المنطقة العربية لخدمته السابقة في بلد عربي آخر، بما يتضمنه ذلك من معرفة تامة بالنوايا الأمريكية في المنطقة وكيفية تحقيقها ومجابهة المشاكل التي قد تعترض طريقها، كما يستلزم القيام بهذا الدور أن يكون المرشح لتوليه قادر على – أو قام بالفعل- عقد صداقات وتحالفات ومصالح مع الأطراف المؤثرة والفاعلة في تلك البلدان العربية، ومنها ما هو محلي لا يتعدى تأثيرة حدود الدولة التي ينتمي اليها، ومنها ما هو عابر للحدود وممتد على مساحات كبيرة في العالم العربي، سواء كان تنظيما أو هيكلا تابعا لمن هو أكبر منه أو كان هو التنظيم المسيطر والمهيمن على عدد آخر من التنظيمات السياسية والدينية والإقتصادية الأقل منه ليشكل منها قوة ومصدر ضغط ونفوذ يرى فيه القائمين على السياسة الأمريكية أهمية معينة تستلزم التقرب اليه والتداخل معه، وهو الدور الأهم للسفير الأمريكي في أي بلد عربي خصوصا في هذه المرحلة الحساسة والهامة التي تمر بها المنطقة العربية والإسلامية.
وآخر هذه الأسماء التي تم طرحها مؤخرا لتولي منصب سفير الولايات المتحدة الأمريكية في القاهرة هو الدبلوماسي الأمريكي روبرت بيكروفت، قادما من العراق الذلا عمل سفيرا لها على مدار عام واحد وهى الدولة العربية الأقل استقرارا والأكبر تشاحنا وضجيجا بين دول الخليج، بكل ما في الواقع العراقي من تباين وإختلافات وتحالفات وصراعات بين القوى السياسية والدينية المختلفة، وما يفرضه الواقع العراقي من شروط معينة يجب توافرها فيمن يتولى هذا المنصب الخطير هناك يمكن إعتباره بمثابة المندوب السامي أو الحاكم الفعلي هناك منذ الغزو الأمريكي وإسقاط نظام صدام حسين وحتى هذه اللحظة التي مازالت القوات الأمريكية هي الحاكمة والمتحكمة في القرار العراقي الأخير وحتى خروج آخر جنددي أمريكي من هناك.
وقد تم تعيين روبرت بيكروفت سفيرا للولايات المتحدة بالعراق في أكتوبر 2012، أي في نهاية فترة الرئيس باراك أوباما الأولى، وقبل ذهابه للعراق عمل سفيرا للولايات المتحدة بالأردن لمدة ثلاث سنوات.
وبيكروفت من مواليد 1961، ودرس القانون بجامعة كاليفورنيا، ومتزوج من آن تيدسل بيكروفت، الحاصلة أيضا على درجة البكالوريوس في القانون، وله أربعة أطفال. وهو ينتمي لمذهب المورمون في المسيحية، ويتسم بالتدين حتى أنه عمل كأحد أعضاء كنيسة يسوع المسيح لقديسي يوم القيامة، كما كان مبشرا للمورمون في فنزويلا، ومارس المحاماة لفترة ثم انضم للسلك الدبلوماسي للولايات المتحدة في عام 1994، وعمل كمساعد تنفيذي لاثنين من وزراء الخارجية وهما كولن باول وكوندوليزا رايس، والمساعد الخاص لنائب وزيرة الخارجية ريتشارد أرميتاج، ومن هنا بدأت علاقته بالشرق الأوسط حيث عُين في الأمانة التنفيذية لوزارة الخارجية الأمريكية ومكتبها الخاص بشؤون الشرق الأدنى، ثم تنقل للعمل في سفارات الولايات المتحدة في عمان والرياض ودمشق، ثم عمل سفيرا لأمريكا بالأردن لثلاث سنوات.
وأخيرا عمل بيكروفت كنائب لرئيس للبعثة الدبلوماسية الأمريكية في بغداد في يوليو 2011، وأصبح القائم بالاعمال بعد رحيل السفير السابق جيمس جيفري ثم رشحه البيت الأبيض كسفير لأمريكا بالعراق في أكتوبر 2012. وقد حصل بيكروفت على جائزة الاستحقاق من وزارة الخارجية الأمريكية وجوائز الشرف المتميز وجائزة الدبلوماسية في حقوق الإنسان.
وقد صرح مسؤولون أمريكيون أنه قد اختير للعمل في مصر بعد أن ظلت السفارة الأمريكية بالقاهرة من دون سفير لعدة أشهر، لكن لم يؤكد بيكروفت نفسه الخبر أو ينفيه بنفسه، لكن جاءت التأكيدات من المسئولين الأمريكيين بعد أن أبلغ وزير الخارجية جون كيري نظيره المصري نبيل فهمي أثناء زيارته الأخيرة للولايات المتحدة انه – كيري- سيشهد أمام الكونجرس أن مصر ملتزمة بالالتزامات الاستراتيجية للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وذلك مقابل أن تفرج الولايات المتحدة عن صفقة طائرات الأباتشي لمصر.
وكان من المتوقع فيما سبق أن يتم تعيين السفير الامريكي في سوريا "روبرت فورد" في هذا المنصب بالقاهرة، لكن لم يتم ذلك بسبب الشكوك المصرية في سيرة فورد السابقة وتاريخه الدموي وعلاقاته المشبوهة بالجماعات المتطرفة والإخوان المسلمين، وكذلك الفصائل الاسلامية المرتبطة بحركة التمرد في سوريا.
وكان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية بدر عبد العاطي، ، قد أعلن ، أن الولايات المتحدة قامت بالفعل بترشيح سفير جديد للعمل في القاهرة، لكن دون أن يذكر اسمه لوسائل الإعلام المصرية، لكن تؤكد صحيفة "السومرية" العراقية أن عبد العاطي صرح باسم بيكروفت في تصريح خاص لها، مضيفا إن "الجانب الأمريكي نقل كما تقضي الأعراف الدبلوماسية اسم هذا المرشح للجانب المصري... وقد وافقنا عليه!".. ولكن بعذ ذلك خرج الرئيس المريكى باراك أوباما وأعلن اسم الرجل صراحة كمرشح لتولى أمر سفارة بلاده فى القاهرة.
ويرى المحللون الذين عقدوا المقارنات بين بيكروفت ومن سبقه من سفراء آخرين في العراق أن بيكروفت يتميز عنهم بعدة أشياء، منها تفهمه جيدا لوضع الدول العربية على أرض الواقع، خصوصا أنه يتحدث العربية بطلاقة. ورغم هذا يقول الدبلوماسيين الأوروبيين الذين تعاملوا معه إنه رجل قاس ومغرور جدا، حتى أنهم يسخرون منه فيما بينهم خاصة من مسألة إصراره على أن ينادوه بإسمه كاملا (روبرت ستيفن بيكروفت) ويتساءلون من يظن نفسه هذا الرجل؟!.
لكن على الجانب الآخر يدافع آخرون بشده عنه مؤكدين أن إختلاف الثقافات هو ما يثير تلك الحساسية بشأن التفاصيل بين الأشخاص الآتين من بلدان أخرى، لكنهم يرون أن بيكروفت هو رجل واقعي ومتواضع وغير رسمي في تعاملاته، وهذا الأمر يحكمه أكثر من مجرد انطباعات للآخرين، حيث أنها أمور يجب توافرها عند تدريب موظفي الدولة الذين يمثلون أمريكا في البلدان الأخرى.
وفي نفس الوقت، تعددت الشكاوي التي رفعها الصحفيون الأمريكيين عن بيكروفت، حيث يتهمونه بالكذب في تصريحاته للصحف العراقية التي قال فيها ذات مرة إن هناك عدد من الجنود الأمريكيين "مفقودين" ولم يتم العثور عليهم، رغم أن هذا الأمر ليس صحيحا على الإطلاق، مما دعى الصحفيون لوصف بيكروفت بالكذب وعدم الأمانة والقول بأن لا أحد سيصدق أي كلمة يقولها بعد ذلك.
ولم تكن تلك هي الكذبة الوحيدة التي سببت مشكله للسفير بيكروفت، فقد كذب مرة أخرى بشأن نفيه وجود أي قوات أمريكية في العراق بعد أن أعلنت الولايات المتحدة إنسحابها الكامل من هناك، لكن قامت صحيفة نيويورك تايمز بفضح بيكروفت وأكاذيبه حينما أكدت وجود اتفاق بين العراق والولايات المتحدة يقضي بإمكانية عودة وحدات صغيرة من الجنود الأمريكيين إلى العراق في مهمات تدريبية، وهي وحدة من جنود العمليات الخاصة في الجيش تم نشرها مؤخرا بالعراق لتقديم المشورة بشأن مكافحة الإرهاب والمساعدة في الاستخبارات.
كما كشف الصحفي توم هايدن أكاذيب بيكروفت عندما نشر تقارير رسمية عن وجود 225 جندي أمريكي، بالإضافة الى 530 جنديا من أعضاء فريق المساعدة الأمنية، وأكثر من 4000 مقاول لتجهيز وتدريب قوات الأمن العراقية عبر مكتب التعاون الأمني في العراق. ووصف هايدن كذب بيكروفت بأنه شيء غبي حقا أن يصر على نفي وجود قوات امريكية في العراق بينما الشعب العراقي يعلم تماما بوجودها.
والمثير في الأمر أن أكاذيب بيكروفت وعادته في إعطاء معلومات مغلوطة لم تتوقف عند حد التصريحات الصحفية فقط، بل قام بممارسة هوايته في الكذب حتى على أعضاء الكونجرس الأمريكي وفي الجلسة الأهم بالنسبة لمسيرته المهنية عندما كان الكونجرس يناقش مسألة تعيينه سفيرا بالعراق خلفا للسفير السابق جيمس جيفري، حيث أفاض بيكروفت في إعطاء بيانات وارقام خاطئة عن عدد العاملين المدنيين من الأمريكيين في العراق، رغم أن عدد كبير منهم كان سيعمل تحت إمرته سواء بطريق مباشر، أي في البعثة الدبلوماسية الأمريكية ببغداد، أو بطريق غير مباشر في مشاريع إعادة الإعمار التي تقوم بها الشركات الأمريكية سواء الحكومية أو الخاصة، فذكر بيكروفت أن البعثة الأمريكية قامت بتخفيض عدد العاملين بها بنحو الفي شخص، كما قامت بتقليل الممتلكات والمعدات الأمريكية العاملة هناك وليس فقط عدد الموظفين، وبالتالي تم تقليل التكلفة التي تتكبدها الولايات المتحدة لإنهاء مهمتها في العراق، وهو ما إتضح لاحقا أنه كان بيانا مليئا بالأكاذيب والأخطاء القاه على مسامع اعضاء الكونجرس بهدف تقديم نفسه اليهم على أنه الرجل المناسب لتولي مهمة السفير الأمريكي ببغداد.
ويأتي بيكروفت الى القاهرة في وقت شديد الحساسية لعدة أسباب، حسبما صرح مسؤولون امريكيون مؤخرا ، حيث لا تزال العلاقات الامريكية المصرية تشهد توترا كبيرا ومستمرا منذ الاطاحة بالرئيس محمد مرسي، كما أن بيكروفت سيحل محل السفيرة السابقة آن باترسون المعروف عنها دعمها الشديد للتيارت الإسلامية والمتطرفة أثناء فترة عملها في مصر، وبالتالي فهناك سؤال حتمي عما إذا كانت السياسات الأمريكية ستتغير بتغير السفير أم أن بيكروفت أتى ليستمر على درب من سبقته ويستمر في دعم الإسلاميين والإخوان المسلمين وقوفا ضد إرادة الشعب المصري وتيارات المجتمع المدني الرافضة للتشدد الديني؟... كما أن بيكروفت يأتي الى القاهرة في لحظة مشحونة بالشد والجذب في العلاقات الامريكية المصرية، خاصة فيما يتعلق بملف المعونة الأمريكية الى مصر وما دار حولها في الفترة السابقة من أحاديث وقرارات كثيرة تنم عن تخبط شديد في الرؤية الأمريكية لهذه المعونة والطريقة المثلى لإستخدامها كورقة ضغط على الجانب المصري، أو كطريقة لتوضيح حسن النوايا والصداقة القوية بين الجانبين.
كما يأتي بيكروفت في وقت ينتقد فيه مسؤولون أمريكيون بشدة الحكومة المصرية المؤقته بسبب ما يرونه من معاملة قاسية للمعارضين سواء من الإخوان المسلمين أو حتى من شباب ثورة 25 يناير والحملة التي تشنها الحكومة المؤقتة عليهم سواء بالقبض عليهم أو تشويه صورتهم أمام الرأي العام المصري والعالمي، وهو ما تجلى في السماح للمحاكم بإصدار أحكام بالإعدام على مئات من الإخوان وتكرار هذه الأمر أكثر من مرة في قضايا مختلفة.
والأهم من كل ما سبق هو أن المصريين ينتظرون حلول موعد الإنتخابات لاختيار رئيس جديد في نهاية هذا الشهر، وهي الانتخابات التي يتوقع أن يفوز فيها المشير عبد الفتاح السيسي، وهو القائد العسكري الذي أطاح بمرسي في العام الماضي مما كان سببا لبداية توتر العلاقات بين الجانبين، خصوصا أن المؤشرات المبدئية تقول بأن المشير السيسي يختلف عمن سبقوه "مبارك ومرسي" في طريقة تعامله مع الإدارة الأمريكية وبالتالي مع من يمثلها في القاهرة.