الموجز
رئيس التحريرياسر بركات
الإثنين 3 يونيو 2024 02:47 صـ 25 ذو القعدة 1445 هـ
أهم الأخبار

عمرو موسى: هذه حكايتى مع سعود الفيصل

ينشر "الموجز" نص الخطاب الذى ألقاه ‫عمروموسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية في الاحتفالية التي أقامها مجلس العلاقات العربية والدولية بالكويت وفاء لذكرى سمو الأمير الوزير ‫‏سعود الفيصل تحت عنوان "السياسة في حضور الأخلاق" وجاءت الكلمة : أصحاب السمو، أصحاب الدولة، أصحاب المعالي، السيدات والسادة
إنه لأمر طبيعي أن يدعو نخبة من الساسة والدبلوماسيين العرب إلى إقامة حفل وفاء لذكرى الأمير سعود الفيصل باعتباره شخصية قل أن يوجد مثيل لها في عالمنا العربي؛ لأنهم هم الذين عرفوا فضله، وهم الذين عركوا كفاءته واحترموا قيادته ونهلوا من فيض دبلوماسيته.
إلا أنني أسرع فأضيف أنني وجدت، حين أعلن النبأ الحزين بوفاة الأمير سعود الفيصل، أن رجل الشارع، الرجل البسيط وكذلك المرأة البسيطة، والمواطن والمواطنة العاديين قد حزنوا عليه وعبروا بأصدق المشاعر عن حزنهم لوفاته.... لم يلتقوا به ولكنهم رأوْا فيه الشخصية العربية المتفردة التي تعبر عن مشاعرهم القومية وكبريائهم الوطنية. لقد كان بالفعل رمزاً لما يجب أن يكون عليه القائد العربي، أو المسئول العربي.
لدينا في مصر قول يتردد على الدوام، حين نجد رجلا شهماً، قديراً، كبيراً، متواضعاً، عف اللسان نقول أنه "راجل أمير". بالفعل كان سعود الفيصل، بالنسبة لنا جميعاً نحن المواطنون العرب، رجلا أميرا يجمع بين الشهامة والمقدرة، والكياسة، والكبرياء، والترفع، والتواضع، نعم كان أميراً صاحب سمو أخلاقي أحبه الناس واطمأنوا لوجوده بينهم، وحزنوا بالفعل لفراقه لهم.
قاد سعود الفيصل الدبلوماسية السعودية لأكثر من أربعة عقود من الزمن، وترك وراءه صرحاً ضخماً، ودبلوماسية نشطة، وسياسة فاعلة، وأعطى لصورة المملكة إطارا من الاحترام والتقدير. دبلوماسية يستطيع العرب جميعا أن يركنوا إليها وإلى كفاءتها خصوصا في زمن المتاعب والمصاعب والتحديات والأزمات.
لقد عملت مع الأمير سعود منذ كنت دبلوماسيا صغيرا، فشاركته وأنا هذا الدبلوماسي، ثم شاركته وأنا سفير لمصر، ثم شاركته وأنا وزير لخارجية مصر، ثم وأنا أمين عام للجامعة العربية ثم وأنا سياسي مصري...... لم يغير معي تعامله أبدا، كان منذ البداية هو الشخص الودود، البشوش، أو كما نقول في مصر "الجدع"، المقدر لكل ما هو إيجابي، المبعد بكل ذوق وحذق وهدوء لكل ما هو سلبي.
أذكر قدرات الأمير سعود على أن يمنح الجو العربي الصاخب دائماً لحظات، بل فترات من الهدوء الذي يُمكِّن من الإنجاز ومن التوصل إلى التوافق في الرأي. كانت بسمته وبشاشته تأسر كل زملائه بمن فيهم من كانوا يمثلون دولاً ربما كانت في أزمة مع المملكة العربية السعودية وقتها، وكان يخصهم بإيماءات لا يستطيعون مقاومتها فتبدأ الأمور في اتخاذ منحىً إيجابي في العلاقات.
أذكر دبلوماسيته حين طرح الراحل الكبير الملك عبدالله خادم الحرمين مبادرته للسلام وتسوية القضية الفلسطينية. لقد صاغ سعود مع الجامعة العربية هذه المبادرة، وتفاوض مع كل وفد عربي ليضمن مساندته الكاملة، كانت مفاوضاته بالذات مع سوريا ومع ليبيا متعة في حد ذاتها حتى وافق الوفد السوري وصمت الوفد الليبي.
خضنا سويا معركة أخرى تتعلق بالمستوطنات الاسرائيلية والمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وفي اجتماع خماسي ضم الأمين العام للأمم المتحدة ووزيرة الخارجية الأمريكية ورئيس الدبلوماسية الأوروبية والأمير سعود وأنا؛ صك عبارته الشهيرة: إما المستوطنات أو المفاوضات، أما أن يكونا سوياً فهذا أمر غير منطقي وغير عملي ومن ثم مرفوض.
ثم كان الامير سعود هو الذي أعلن مبادرة شهيرة أراها لاتزال قائمة ولم يأكل عليها الدهر ولا شرب، وهي المتعلقة بتكامل العمل النووي العربي في إطار الاستخدامات السلمية للطاقة النووية بأن يكون هناك بنك عربي للأنشطة النووية يستند إليه كل نشاط عربي نووي سلمي ليستفيد منه الجميع ويتقدم به الجميع. كل هذه وأكثر أمور حببته إلى نفسي كثيرا، وأعتقد أنني كنت من بين أكثر من حزنوا عليه حزنا كبيراً... ولا أزال. كم كان ودوداً معي، كان كلما يزور القاهرة حتى في شأن ثنائي يزورني في الجامعة العربية لنتحدث في مشاكل الساعة حول فنجان من القهوة......
في إحدى هذه الزيارات لاحظ عليَّ بعض التوتر، وإجابة على سؤاله قلت أننا في سبيلنا لأن نطرح قضية الجدار الاسرائيلي المقام في الأراضي المحتلة والاستيطان فيها على محكمة العدل الدولية، وأن ميزانية جامعة الدول العربية لا تسمح لي بأن أوكل محامياً دولياً حاذقاً كي يترافع ويكسب هذه القضية. فسألني كم يتكلف هذا المحامي، وكان ألمانياً، وأمر سفيره أن يدفع التكلفة فورا للجامعة، وفي الأسبوع التالي كنا حاضرين أمام محكمة العدل الدولية في قضية كسبتها الأمة العربية بعد ذلك بالفعل.
من منا لا يذكر دوره إبان حرب أكتوبر حين كان مهندس سياسة استخدام النفط كورقة من أوراق القوة العربية، من منا لا يتذكر ما قاله منذ قليل دولة الرئيس فؤاد السنيورة في الإعداد للقاء الطائف حتى يخرج الاتفاق الذي ينقذ لبنان من محنتها.
وأخيراً، وبعد ٣٠ يونيو والصدام التاريخي بين الدولة المصرية والإخوان، وقف الأمير سعود مدافعا صلبا عن مصر ومواجهاً سياسات العداء التي أفرزتها بعض الدبلوماسيات الغربية ضد مصر. وحين أشفق مساعدوه من أنه سوف يقرأ بياناً من أربع صفحات في هذا الشأن، رغم اشتداد المرض عليه قال قولته التي رنَّت في أنحاء مصر ومدنها وقراها ودساكرها: مصر تستحق هذا الجهد وأكثر، وكم قال لكل العرب كما سمعتم أن "أنقذوا مصر، تنقذون أنفسكم، تضامنوا مع مصر ودافعوا عنها تدافعون عن أنفسكم وبلادكم" ...... ويقول المصريون اليوم أنه أيضا استحق حبهم وأكثر من ذلك.

جريدة الموجز، جريدة ورقية أسبوعية مستقلة، وموقع شامل يستطيع الجمهور من خلاله الوصول للخبر الصحيح والمعلومات الدقيقة.

ويقدم موقع الموجز للقراء كل ما يهم الشأن المصري الداخلي والخارجي بشكل يومي وعاجل، بالإضافة إلى أخر تحديثات أسعار الذهب ، أسعار العملات، أسعار الدولار، أسعار السلع أولاً بأول.

كما يقدم الموقع لقرائه أحدث وأهم أخبار الفن، وأخبار الرياضة، وأخبار السياسة، وأخبار الحوادث، وأخبار العالم ، وأهم الاحداث الكروية ، دوري أبطال أوروبا، ودوري أبطال آسيا، ودوري أبطال أفريقيا.

nawy