حكاية موسيقار الأجيال مع عبدالناصر..غنى له في كل المناسبات..وادعى المرض ليهرب من دعوته..وأبكاه الزعيم الراحل لهذا السبب
عرف عن الموسيقار محمد عبد الوهاب حبه الشديد للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بل لـ ثورة يوليو وللحقبة الناصرية بشكل عام، ولقد ترجم هذا الحب في نتاجه خلال ثماني عشرة سنة، أخرج لنا فيها الأستاذ محمد عبد الوهاب أربعين أغنية وطنية وقومية وسياسية، وهو نتاج غزير جدا إذا ما قورن بخمس عشرة أغنية فقط مثلوا نتاج موسيقار الأجيال في الحقبة الملكية.
وقال عبدالوهاب عن ثورة يوليو والجمهورية :”إنني أؤمن بالجمهورية الإسلامية، أي أن رئيس الجمهورية ينتخبه الشعب ثم يبايعه بعدئذ مدى الحياة، كما كان يحدث في صدر الإسلام، ولهذه الطريقة من الحكم ميزتان هامتان، الأولى هي إحساس الحاكم بأن الأمة قد أولته ثقتها على أن يكون عند حسن ظنها به إلى آخر حياته، والثانية هي استقرار مقاليد الحكم في يد شخص واحد فلا تعرض الأمة لممارسة الانتخابات كل عدة أعوام".
وغنى الموسيقار محمد عبد الوهاب في عهد ثورة يوليو نشيد "البعث"، والذي تبدل اسمه فيما بعد إلى “نشيد الحرية”، وقد كان درة ما قدم من أناشيد عقب قيام تلك الثورة حاسما وثوريا، فقد قدمت أم كلثوم للمناسبة نفسها طقطوقة مصر التي في خاطري، من تأليف أحمد رامي، وألحان رياض السنباطي، والتي لم تتضمن معان خاصة بالثورة بل بالتغزل في مصر وجمالها، وهذا هو وجه الاختلاف الكبير بين موقف محمد عبد الوهاب الثوري، وموقف أم كلثوم المحافظة المتحفظة كما يقول البعض، ففي الوقت الذي قدم فيه محمد عبد الوهاب في الأربعينيات أعمالا وطنية عن نكبة فلسطين والعدوان الفرنسي على دمشق، وأناشيد مثل “نشيد الجهاد” و”نشيد مصر نادتنا” خلال الحرب العالمية الثانية، و” الصبر والايمان” خلال حرب الفدائيين في القنال التي غني فيها ياظالم لك يوم، قدمت أم كلثوم في المناسبة نفسها قصيدة “مصر تتحدث عن نفسها”، ولم تقدم أغنيات خلال اشتعال الحرب العالمية الثانية.
وانحاز عبد الوهاب لـ ثورة يوليو منذ إعلانها، وما تضمنه من مبادئ وطنية وخاصة عندما رأى أصدقاءه يباركونها، غير أن بعض ما شابها بعد ذلك بشهور جعلته يتريث في تفكيره، فقد ذهب إليه بعض رجالها قائلين فيما يشبه الأمر اذهب الي القيادة لتقديم الشكر والتبريك، فاتصل بأم كلثوم التي قالت له إن نفس الأشخاص قد جاءوا إليها، وبنفس الأسلوب تحدثوا إليها وإنها لن تذهب إلا إذا جدت مناسبة تستدعي ذهابها إلى القيادة، واستحسن محمد عبد الوهاب رأيها، وقرر أن يكون هذا هو نفس رأيه.
وكان محمد عبد الوهاب يعرف الرئيس محمد نجيب شخصيا، وأن نجيب كان يزوره في بيته مع زوجته، كما يذكر محمد عبد الوهاب أن نجيب طلب منه أن يغني نشيد “كنت في صمتك مرغم” في ميدان عابدين، ونصب مسرح خشبى في الميدان ليقف عليه عبد الوهاب وأن المسرح سقط بعبد الوهاب الذي أصيب جراء ذلك ببعض الرضوض، كما غني عبد الوهاب النشيد نفسه في حفل أقيم في نادي ضباط القوات المسلحة في الزمالك في حضور محمد نجيب يوم السادس والعشرين من يناير1953 بمناسبة مرور ستة أشهر على قيام الحركة.