قسم الاجتماع بآداب عين شمس يناقش : ” جرائم القتل العائلي .. الأسباب، وآليات المواجهة ” .
عقد قسم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس السيمنار العلمي للقسم تحت عنوان : " جرائم القتل العائلي .. الأسباب وآليات المواجهة " أقيم السيمنارتحت رعاية ا.د حنان كامل عميدة الكلية ، وأدارت الجلسة ا.د شادية قناوي أستاذ علم الاجتماع بالكلية وسفيرة مصر السابقة باليونسكو وتحدث في السيمنار ا.د حنان سالم رئيسة القسم ، والدكتور مختار الصياد الخبير بأعمال التحقيقات الجنائية وجمع الاستدلالات بمديرية أمن القاهرة .
وافتتحت ا.د شادية قناوي السيمنار مشيدة بأقدمية السيمنار حيث أنه مستمر بشكل شهرى منذ عام ١٩٧٠ أي مايقرب من ٥٣ عام ويحفل بدراسة ومناقشة ظواهر مجتمعية ذات صلة بجميع مجالات علم الاجتماع ، ويناقش هذه المرة أكثر قضايا العصر انتشاروهي انتشار الجريمة على نطاق الأسرة للوقوف على أسباب حدوثها ، وتطورها والطرق والحلول التي يقدمها علماء وخبراء علم الاجتماع لحل هذه المشكلة .
وذكرت " قناوي" أن العنف الأسري أخذ أشكال عديدة منها : العنف الأسري ضد المرأة والأطفال و المسنين.
كما قدمت ا.د حنان سالم ورقة بحثية تلخصت في الآتي :
شهد المجتمع المصري تطورات غير مسبوقة في مجال العنف بصفة عامة والجريمة بصفة خاصة ، ويكفي أن نقول أننا اختتمنا العام الماضي بجرائم قتل على غرار الطريقة الداعشية حيث الذبح وفصل الرأس أو محاولة فصلها ( حادث الإسماعيلية وحادث فتاة جامعة المنصورة).
وقد جاءت مصر في المرتبة الثالثة عربيًا ، والرابعة والعشرين عالميًا على تصنيف مقياس نامبيو للجريمة .
وباتت جرائم القتل العائلي تشكل وحدها نسبة تتراوح ما بين الثلث إلى الربع في إجمالي جرائم القتل .
لقد تغير المجتمع المصري بشكل جذري بعد أحداث 25 يناير 2011 والتى ترتب عليها خلل في منظومة القيم بشكل عام.
وأكدت ا.د حنان سالم أن العنف الأسري أشد فتكًا بالمجتمع من الحروب والأوبئة ، لأنه ينخر في عظام المجتمع ، ويشير إلى وجود ترهل في بنية القيم ، وزعزعة الأخلاق وثوابت الدين ، وجرائم القتل على وجه التحديد تمس أمن وسلامة المجتمع ماديًا و معنويًا وتوضح الدراسات والتقارير الرسمية على أن ثمة زيادة مطردة في معدلاتها.
وأوضحت أن تقرير الأمن العام الصادر عام 2012 أكد ارتفاع معدلات جرائم العنف الأسري وشمل التقرير : ( القتل العمد والشروع فيه، ضرب أفضى إلى موت، ضرب إحداث عاهة ، هتك العرض، الاغتصاب،
السرقة بالإكراه والشروع فيها، الحريق العمد ، الخطف، التوقيع على مستند بالقوة .
وللأسف الشديد تصدرت جرائم القتل العائلي رأس تلك الجرائم فقد رصد التقرير الصادر عام 2012 ( 354 ) جناية منها ( 251 ) جريمة قتل يعني بنسبة 72 % .
وقد كان للرجال النصيب الأكبر في ارتكاب الجرائم بنسبة 85 % ، وتتراوح الفئة العمرية ما بين 20 إلى 40 عام وقد تنوعت الأسباب التي رصدها التقرير وتمثلت في ، الخلاقات الأسرية ، الدفاع عن الشرف ، المواريث ، الضائقة المالية.
أما عن الأدوات المستخدمة فتمثلت في ، آلة حادة ، سلاح ناري ، حبل ، خنق بالأيدي .
كما أشارت إلى أن الدراسات والأبحاث العلمية أوضحت أن ثمة دوافع لا شعورية تقود الفرد لارتكاب جريمة القتل في محيط الأسرة وتتشكل هذه الدوافع من خلال أساليب التنشئة الإجتماعية الخاطئة منها القسوة ، العقاب بالإيذاء ، التفكك الأسري .
وقد أكدت الدراسات النفسية أن ثمة علاقة بين تردي الأوضاع الاقتصادية وحالة وتوصيف القلق على مقياس القلق الذي قد يقود لارتكاب جريمة القتل .
كما أوضحت دراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية العام الماضي أن 70 % من جرائم القتل العائلي سببها الدفاع عن الشرف ، البيئة المحيطة والثقافة المحبذة للعنف، المخدرات .
كما أوضحت آليات مواجهة جرائم القتل العائلي وهي مراعاة البعد الاجتماعي في الإصلاح الاقتصادي لتخفيف الأعباء على الفئات الضعيفة والمهمشة ، إيجاد حلول مجتمعية للمشكلات البنائية وبصفة خاصة مشكلات الفقر والبطالة وتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، تنفيذ برامج توعوية لتوضيح مخاطر المخدرات وانعكاساتها على الصحة العامة للفرد والصحة النفسية والعقلية ، تكثيف الأعمال الدرامية التي تدعم الروابط الأسرية والبعد عن الأعمال التي تمجد العنف والبلطجة ،
المحافظة على ثوابت القيم والأخلاق ، لأن حروب الجيل الرابع والخامس تستهدف خلخلة أنساق القيم وتفكيكها ، وإعادة تركيبها بما يخدم النماذج الرأسمالية المشوهة التي تتعارض مع الدين والثوابت .
ومن جانبه ذكر الدكتور مختار الصياد معدل الجريمة في مصر مقارنة مع دولة عربية أخرى وهي الأردن مع الوضع فى الحسبان تعداد السكان الضخم لمصر ، نجد أن جرائم القتل في عام ٢٠٢٢ في الأردن قد بلغت ٣٥ جريمة قتل أسري بمعدل ٩٤ بالمائة زيادة على معدل إرتكابها في الأردن عام ٢٠٢١ لكن مصر تعد الثالثة عربيا وال ٢٤ عالميا في معدل إرتكاب جرائم القتل الأسري.
وقد رصد علماء الإجتماع تنامي معدلات إرتكاب جرائم القتل الأسري في مصر بطريقة ملحوظة وبدأوا باكرا يدقون نواقيس الخطر ليتدارس المجتمع سريعا أسبابها ودوافعها والبواعث التي غذتها وجعلت ارتكابها وكأنه بات أمرا ميسورا
كما أكد على أن علماء الاجتماع ذكروا أن الأطفال الذين شبوا وهم يشاهدون نزاعات وضغوطات أسرية أو حالات قتل أسري يكونون أشد ميلا للسلوك المنحرف؛ وأن سلوكهم العدواني يظهر في مظاهر شتى على رأسها تخريب الممتلكات العامة والخاصة
ولاشك أن البعض يلوم على الدراما ووسائل الإعلام القديمة والحديثة في تسهيل إرتكاب تلك الجرائم سواء عن طريق النماذج المشوهة التي تتناولها الدراما بتفصيل يبين طرق إرتكاب جرائم القتل بسهولة بأدوات مختلفة وكيفية التخلص من أدوات الجريمة والأدلة الجنائية على إرتكابها وهو يمثل مناقضة للأهداف المنشودة من الفن الذي يجب أن يكون أداة تنويرية تبث رسائل إعلامية إيجابية تحافظ على المجتمع وعلى الأسرة التي تمثل نواة المجتمع .
كما لاحظ علماء الاجتماع أن هناك فتورا بدأ يصاحب مشاهدات تلك الجرائم ومتابعتها دون حراك ودون منع مرتكبيها على ارتكابها أو إكمال ما شرعوا فيه أمام أعين الناس.. بل إن البعض تجاوز كل الأنماط السلوكية السليمة وبدأ يقوم بالضغط على كاميرات الهواتف النقالة التي معه ليصور الجرائم التي ترتكب أمامه ؛ حتى بات عدم الإكتراث بها من تكرار نماذجها يؤرق المعنيين بدراسة تلك الظواهر ؛ حيث أنهم لاحظوا أن معاملا جديدا في المجتمع المصري بات على المحك وهو لا مبالاة كثيرون بمسرح الجرائم بالجريمة التي ترتكب جهاراً أمامهم؛ وهو ما يمثل نذيرا هاما يؤشر على أن خللا مجتمعيا يلوح في الأفق وجب سرعة تداركه
وقدم الدكتور مختار آليات المواجهة المقترحة من خلال البرامج التوعوية، من خلال الاستعانة بالمجمعات الإعلامية والمراكز الإعلامية الخاصة بالهيئة العامة للاستعلامات والمنتشرة في كافة محافظات الجمهورية ( ٩٦ مجمعا ومركزا إعلاميا) على تنفيذ ندوات في كافة ربوع مصر مستعينين بعلماء الإجتماع في الجامعات المصرية الحكومية والأهلية والخاصة وأيضا بعلماء النفس وبقادة الفكر وقادة الرأي ورجال القضاء والشرطة وعلماء الدين بدعم من مؤسسات المجتمع المدني لدق نواقيس الخطر التي لاح بريقها في المجتمع المصري بوضوح لا يمكن إنكار أهمية إتاحة الإحصائيات الخاصة بتلك الجريمة للمهتمين بدراستها من علماء وباحثين علمي الإجتماع والنفس حتى يتعرفون عن كثب على التطور الحادث فيها وتقديم طرق العلاج لمثل تلك الظواهر، تقديم خدمات أسرية (معتمدة ومجانية) في ربوع مصر والتشدد في منح التراخيص اللازمة لتقديم مثل تلك الخدمات الهامة ؛ حيث أن غير المتخصصين قد دلفوا إلى هذا المجال دون خبرات ودون دراسات مؤهلة ودون مهارات على تطويع العلم في خدمة المجتمع ؛ من خلالها يتم توعية المقبلين على الزواج وتوعية الذين يعانون من مشكلات العنف الأسري الذي يمكن أن يقود إلى جريمة القتل الأسرية، كما تعتبر وقاية إجرائية هدفها التعريف بطرق الوصول إلى خدمات الحماية الأسرية بعد التعرض للعنف الأسري في سرية تامة؛ والتشجيع على الإبلاغ أيضاً في سرية تامة ؛ حيث أن معظم السيدات لا يبوحن بما يقع عليهن من عنف أسري ؛ وأيضا بعض من الرجال ، بهدف البحث عن حلول هامة لإدارة الغضب الأسري بعيداً عن الإجراءات القانونية، ومن المهم أن تتضمن برامج الدراسات القضائية للسادة القضاة والمحامين وضباط الشرطة برامج توعوية بحثا عن الحلول قبل تطبيق القانون أو التداعي القضائي في محاكم الأسرة ونظر الخلافات في النيابات العمومية وأقسام ومراكز الشرطة ،كما ينبغى التأكيد على أن رسالة الإعلام تقوم على البناء وليس الهدم؛ وإعادة النظر في الدراما المقدمة والبرامج التوك شو والبرامج الموجهة للرجل والمرأة والطفل والأسرة لتكون أكثر ملائمة للمجتمع المصري بعيدا عن اللهاث حول زيادة نسب المشاهدات كدليل غير حقيقي لنجاح الدراما والبرامج؛ ولفت نظر المجتمع والإعلام أن الأسرة هي نواة تكوين المجتمع صالحا كان أم فاسدا ولا وسط بين هذا وذاك.
كما قدم فكرة دمج المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للطفولة والأمومة في مجلس واحد تحت مسمى المجلس القومي للأسرة ؛ حيث أن الأسرة تتكون من رجل وإمرأة وأطفال ؛ ويعاد هيكلة أهدافه ليخدم الأسرة المصرية ككل وليس أحد أو بعض كياناتها؛ مع الإهتمام بدراسة الظواهر الأسرية والاجتماعية في مصر بطريقة جادة بعيداً عن السعي البحث عن تصدر الإتجاهات ( الترند) في وسائل التواصل الإجتماعي
وأخيرا التأكيد على دور البنك المركزي المصري والبنوك الحكومية المصرية في علاج الفقر عن طريق منح قروض بفائدة هامشية لتشجيع الأسر الفقيرة والمتوسطة على تجاوز الفقر عن طريق إقامة مشروعات صغيرة ومتوسطة ومتناهية الصغر مع كفالة تسويق المنتجات بمعرفة جهات الدولة المعنية وهو ما يخلق فرص عمل حقيقية تقيل المجتمع من عثرة البطالة.