طه الفشني.. صوت لا يُنسى وبصمة خالدة في عالم التلاوة والإنشاد

طه الفشني
طه الفشني

تحل اليوم الذكرى الرابعة والخمسون لرحيل كروان التلاوة والإنشاد، الشيخ طه الفشني، الذي غادر دنيانا في العاشر من ديسمبر عام 1971، بعد مسيرة فنية وروحانية جعلته واحدًا من أهم أعلام التلاوة والابتهال في مصر والعالم الإسلامي، وترك الفشني إرثًا ضخمًا من التواشيح والتلاوات النادرة التي ما زالت تحتل مكانتها في وجدان المستمعين حتى اليوم، بوصفه أحد أبرز الأصوات التي وهبها الله جمالًا وعمقًا وروحانية فريدة، ويرصد الموجز التفاصيل. 

 

النشأة والبدايات.. موهبة لفتت الأنظار مبكرًا

وُلد الشيخ طه حسن مرسي الفشني عام 1900 في مركز الفشن بمحافظة بني سويف، حيث حفظ القرآن الكريم صغيرًا وتعلّم القراءات على يد كبار المشايخ. اكتشف ناظر المدرسة جمال صوته فعهد إليه بتلاوة القرآن في الطابور الصباحي ومناسبات المدرسة، بينما كان والده يأمل أن يكمل ابنه دراسة القضاء الشرعي. إلا أن أحداث ثورة 1919 أعادت الفشني إلى بلدته، ليتجه إلى قراءة القرآن في المآتم والسهرات، مؤكدًا اختياره لطريق التلاوة والإنشاد منذ وقت مبكر.

لاحقًا، التحق بالأزهر الشريف لدراسة علم القراءات، ونال الإجازة على يد الشيخ عبد الحميد السحّار، قبل أن ينتقل إلى القاهرة ويلتحق ببطانة الشيخ علي محمود، أحد أعلام التواشيح والطرب الديني في ذلك الوقت.

 

من مدرسة علي محمود إلى عالم التواشيح

تأثر الفشني كثيرًا بالشيخ علي محمود الذي اعتبره أستاذًا ومرشدًا، وتعلّم على يديه أسرار المقامات الموسيقية وفنون الأداء. ومن خلال هذه المدرسة الفنية، اكتسب الفشني أسلوبًا خاصًا جعله يتنقل بين المقامات بخفة واقتدار، حتى أصبح صوته علامة مميزة في عالم المديح والتواشيح.

وكان من زملائه في فرقة الشيخ علي محمود الملحن الكبير زكريا أحمد، ما يعكس المكانة الفنية الرفيعة التي بلغها الفشني مبكرًا.

 

الانطلاقة عبر الإذاعة.. لحظة غيّرت التاريخ

عام 1937، شكّلت حفلة كبرى بحي الحسين نقطة تحول في مسيرة الشيخ طه الفشني، فقد كان رئيس الإذاعة المصرية سعيد باشا لطفي حاضرًا، وسمع الفشني يؤدي القرآن في لحظة تجلٍ نادرة أبهرت الحاضرين، وبعد انتهاء القراءة، استدعاه رئيس الإذاعة ليبلغه بقبوله فورًا، ليلتحق بالإذاعة المصرية ويُقيّم كقارئ من الدرجة الأولى.

ومنذ ذلك العام، أصبح صوته حاضرًا يوميًا في بيوت المصريين، وأصبح أحد أشهر القرّاء الذين ينتظر الجمهور تلاواتهم في المواعيد المخصصة.

 

قارئ القصر الملكي وجليس الملوك والرؤساء

استمرت رحلة الفشني مع الإذاعة حتى أصبح قارئًا ثابتًا بقصري عابدين ورأس التين لمدة تسع سنوات، حيث كان الملك فاروق يستمع لتلاوته مباشرة، كما رافق الشيخ مصطفى إسماعيل في السهرات الرمضانية الملكية، ليصبح واحدًا من أشهر الأصوات التي ارتبطت بالطقوس الدينية في تلك الحقبة.

وفيما بعد، نال تكريمًا خاصًا من الرئيس جمال عبد الناصر الذي أهداه طبقًا من الفضة، ثم من الرئيس محمد أنور السادات. وفي عام 1991، منحت الدولة اسمه نوط الامتياز من الطبقة الأولى، وأطلق اسمه على أحد شوارع مدينة نصر.

 

إرث فني وروحاني لا يموت

بجانب تلاوة القرآن، ظل الفشني من أبرز منشدي التواشيح الدينية، حيث أنشأ فرقته الخاصة عام 1942 بعدما أذن له شيخه علي محمود ليكون خليفته في هذا المجال، وتمتع الفشني بصوت فريد قادر على الأداء عبر أكثر من 17 مقامًا موسيقيًا، مع طول نفس نادر وتمكّن من قواعد التجويد والموسيقى في آن واحد.

كما مثّل مصر في العديد من الدول العربية والإسلامية، وحظي بتكريم ملوك ورؤساء من السعودية وباكستان وتركيا والسودان والمغرب وليبيا وغيرها.

 

رحيل الكروان وبقاء الأثر

في العاشر من ديسمبر 1971، رحل الشيخ طه الفشني عن عالمنا، لكن تراثه الباقي من التلاوات والابتهالات ظل مصدر إلهام للأجيال اللاحقة، وصوتًا خالدًا يلامس الروح كلما صدحت تسجيلاته.

لقد عاش الفشني حياته في خدمة القرآن الكريم، وترك بصمة لا تُمحى في سجل التلاوة والإنشاد، ليبقى واحدًا من أعظم الأصوات التي عرفها العالم الإسلامي.

 

تم نسخ الرابط