الشياطين في جنة فلسطين.. حكاية الوصاية علي غزة بعد انتهاء الحرب

بينما لا تزال نار الحرب مشتعلة في غزة، خرج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ليعلن عن خطة غير مسبوقة لإدارة الأراضي الفلسطينية، في مشهد يعيد للأذهان حقبة الوصاية الدولية ولكن بواجهة أمريكية مباشرة، الخطة التي سمّاها “مجلس السلام” وضع فيها ترامب نفسه في قلب المشهد، إلى جانب شخصيات دولية بارزة، أبرزها رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير.
ترامب يعود من بوابة غزة
قدّم ترامب نفسه كمنقذ وصاحب الحلول المستحيلة، وشارك نتنياهو في مؤتمر داخل البيت الأبيض ليعلن أنه سيقود مجلساً لإدارة غزة بعد الحرب، متعهداً بإعادة “السلام والأمن” للمنطقة، الخطة لم تكن فقط أمنية، بل تناولت الحكم والسيطرة والإقصاء الكامل لحركة حماس، مع الاعتماد على قوة دولية مؤقتة تضم مصر والأردن.
توني بلير.. الشيطان السياسي العائد
وسط هذه الترتيبات، يطل اسم توني بلير، الرجل الذي ارتبط اسمه بالحروب أكثر من السلام، بلير الذي شغل منصب المبعوث الدولي للرباعية في الشرق الأوسط، يظهر الآن كمرشح لدور مركزي في إدارة غزة، مصادر دبلوماسية تتحدث عن "وصاية دولية" بغطاء أمريكي-بريطاني يقودها ترامب وبلير معاً.
وجود بلير يعيد إلى الأذهان واحدة من أكثر اللحظات دموية في الشرق الأوسط: غزو العراق عام 2003، دعمه المطلق للولايات المتحدة في الحرب دون تفويض أممي أشعل غضبًا شعبيًا في بريطانيا، وأسقط وزراء من حكومته، وأدخل البلاد في انقسام طويل.
التحقيقات التي أُجريت لاحقًا، وخاصة تقرير تشيلكوت عام 2016، أكدت أن صدام حسين لم يكن يشكّل تهديداً، وأن الحكومة البريطانية تجاهلت البدائل السلمية وضللت الرأي العام، ورغم اعتذار بلير لاحقًا وتحمله "المسؤولية الكاملة"، ظل يُنظر إليه كوجه للغزو والفوضى والتبعية للبيت الأبيض.
اليوم، يعود الرجل نفسه من بوابة غزة، ولكن تحت شعار "السلام".
مصر.. حجر الأساس
وسط المشهد الأمريكي الإسرائيلي، لا تغيب القاهرة. ترامب نفسه أشاد بالرئيس عبد الفتاح السيسي، واعتبر مصر "رمانة الميزان" في أي ترتيبات مستقبلية، مصر بخبرتها الطويلة تبقى الفاعل الذي لا يمكن تجاوزه، سواء في التهدئة أو الإعمار أو ترتيب الحكم.
ما وراء الكواليس
ما تسرّب من البيت الأبيض يفيد بأن ترامب ونتنياهو متفقان على أن غزة لن تُترك كما كانت، المطلوب إدارة جديدة تُقصي القوى المسلحة وتقدّم وجوهًا “مقبولة دوليًا”، وهنا يأتي دور بلير: شبكة علاقات مع تل أبيب وواشنطن، وسجل طويل في المنطقة، وإن كان ملطخًا بدم العراق.
لكن الرؤية تصطدم بالسؤال الأهم: هل سيقبل الفلسطينيون وصاية جديدة تُفرض عليهم من خارج الحدود؟ أم يفتح ذلك باب مواجهة جديدة أكثر اشتعالًا؟
الشياطين في جنة فلسطين
الخطة تُسوق كـ"جنة سلام"، لكنها مليئة بالشياطين:
- شيطان الوصاية الدولية
- شيطان الصفقات السياسية
- شيطان تهميش الإرادة الفلسطينية
- وشيطان الطموحات الشخصية لترامب وبلير
هكذا تتحول غزة من ساحة حرب عسكرية إلى ساحة صراع إرادات ومشاريع حكم دولية.
ترامب وبلير يروجان لوصفة "استقرار"، لكن أي جنة تُفرض بالقوة وتدار بعيدًا عن أهلها ستبقى جنة مزيفة تحرسها الشياطين. فهل تُسلب غزة باسم السلام؟ أم يكتب الفلسطينيون مستقبلهم بعيدًا عن الوصاية من جديد؟
اقرأ أيضًا:
حريق سيارة للخدمة السرية أمام البيت الأبيض مع وصول نتنياهو لواشنطن
السيسي.. رمانة ميزان الشرق الأوسط وصوت الاستقرار في زمن الأزمات